باب صيغة العموم وبيان مقتضاه
إذا تجردت ألفاظ العموم التي ذكرناها اقتضت العموم واستغراق الجنس والطبقة
وقالت الأشعرية ليس للعموم صيغة موضوعة وهذه الألفاظ تحتمل العموم والخصوص فإذا وردت وجب التوقف فيها حتى يدل الدليل على ما يراد بها من الخصوص والعموم
ومن الناس من قال لا تحمل على العموم في الأخبار وتحمل في الأمر والنهي
ومن الناس من قال تحمل على أقل الجمع ويتوقف فيما زاد
والدليل على ما ذكرناه أن العرب فرقت بين الواحد والإثنين والثلاثة فقالوا رجل ورجلان ورجال كما فرقت بين الأعيان في الأسماء فقالوا رجل وفرس وحمار فلو كان احتمال لفظ الجمع للواحد والإثنين كاحتماله لما زاد لم يكن لهذا التفريق معنى
ولأن العموم مما تدعو الحاجة إلى العبارة عنه في مخاطباتهم فلا بد أن يكونوا قد وضعوا له لفظا يدل عليه كما وضعوا لكل ما يحتاجون إليه من الأعيان
فأما من قال إنه يحمل على الثلاث ويتوقف فيما زاد فالدليل عليه أن تناول اللفظ للثلاث ولما زاد عليه واحد فإذا وجب الحمل على الثلاث وجب الحمل على ما زاد
فصل
ولا فرق في ألفاظ العموم بين ما قصد بها المدح أو الذم أو قصد بها الحكم في الحمل على العموم
ومن أصحابنا من قال إن قصد بها المدح كقوله عز وجل - والذين هم لفروجهم حافظون - والذم كقوله تعالى - والذين يكنزون الذهب والفضة - لم يحمل على العموم وهذا خطأ لأن ذكر المدح والذم يؤكد في الحث عليه والزجر عنه فلا يجوز أن يكون مانعا من العموم
فصل
وإذا وردت ألفاظ العموم فهل يجب اعتقاد عمومها والعمل بموجبها واعتقاد عمومها ما لم يعلم ما يخصها؟ وذهب عامة أصحابنا أبو العباس وأبو سعيد الأسطخري وأبو إسحق المروزي إلى أنه لا يجب اعتقاد عمومها حتى يبحث عن الدلائل فإذا بحث فلم يجد ما يخصها اعتقاد حينئذ عمومها وهو الصحيح
والدليل عليه أن المقتضي للعموم وهو الصيغة المتجردة ولا يعلم التجرد إلا بعد النظر والبحث فلا يجوز اعتقاد العموم قبله



Post a Comment