HefLdMeicEtUwtueWBWH3PTTkGBfKDvF5ornRJYT
Bookmark

Alluma: Istisna

باب القول في الإستثناء

والإستثناء يجوز تخصيص اللفظ به وهو مأخوذ من قولهم ثنيت فلانا عن رأيه إذا صرفته عنه، وقيل إنه مأخوذ من تثنية الخبر

ومن شرطه أن يكون متصلا بالمستثنى منه. وحكي عن ابن عباس رضي الله عنهما جواز تأخيره وحكي عن قوم جواز تأخيره إذا أورد معه كلام يدل على أن ذلك استثناء مما تقدم وهو أن يقول جاءني الناس ثم يقول بعد زمان إلا زيدا وهو استثناء مما كنت قلت

فأما المحكى عن ابن عباس رضي الله عنهما فالظاهر أنه لا يصح عنه وهو بعيد لأنهم لا يستعملون الإستثناء إلا متصلا بالكلام ألا ترى أنه إذا قال جاءني الناس ثم قال بعد شهر إلا زيدا لم يعد ذلك كلاما فدل على بطلانه

وما حكي عن غيره خطأ لأنه لو جاز ذلك على الوجه الذي قاله لجاز أن يؤخر خبر المبتدإ ثم يخبر به مع كلام يدل عليه بأن يقول زيد ثم يقول بعد حين قائم ويقرنه بما يدل على أنه خبر عنه وهذا مما لا يقوله أحد ولا يعد كلاما في اللغة فبطل

فصل

ويجوز أن يتقدم الإستثناء على المستثنى منه كما يجوز أن يتأخر كقول الكميت

فما لي إلا آل أحمد شيعة # وما لي إلا مشعب الحق مشعب

فصل

ويجوز الإستثناء من جنسه كقولك رأيت الناس إلا زيدا وكذلك استثناء بعض ما دخل تحت الإسم كقولك رأيت زيدا إلا وجهه وأما الإستثناء من غير الجنس فهو مستعمل. وقد ورد به القرآن والأشعار قال الله عز وجل - فسدجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس - فاستثني إبليسرمن الملائكة وليس من الملائكة وقال الشاعر

وقفت فيها أصيلا لا أسائلها # أعيت جوابا وما بالربع من أحد

إلا أواري لأيا ما أبينها # والنؤي كالحوض بالمظلومة الجلد

فاستثني الأواري من الناس وهل هو حقيقة أم لا ؟ فيه وجهان من أصحابنا من قال هو حقيقة ومنهم من قال هو مجاز وهذا الأظهر لأن الإستثناء مشتق من قولهم ثنيت عنان الدابة إذا صرفتها أو من تثنية الخبر بعد الخبر وهذا لا يوجد إلا فيما دخل في الكلام ثم يخرج منه

فصل

ويجوز أن يستثنى الأكثر من الجملة وقال أحمد لا يجوز وهو قول القاضي أبي بكر الأشعري وابن درستويه

والدليل على جوازه أن القرآن ورد به قال الله تعالى - إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين - ثم قال - فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين - فاستثني الغاوين من العباد واستثني العباد من الغاوين وأيهما كان أكثر فقد استثناه من الآخر ولإن الإستثناء معنى يوجب تخصيص اللفظ العام فجاز في القليل والكثير كالتخصيص بالدليل المنفصل

فصل

إذا تعقب الإستثناء جملا عطف بعضها على بعض وجمع ذلك إلى الجميع وذلك مثل قوله عز وجل - والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون إلا الذين تابوا - وقال أصحاب أبي حنيفة رحمه الله يرجع إلى ما يليه. وقال القاضي أبي بكر يتوقف فيه ولا يرد إلى شيئ منهما إلا بدليل

والدليل على ما قلناه هو أن الإستثناء كالشرط في التخصيص ثم الشرط يرجع إلى الجميع وهو إذا قال امرأتي طالق وعبدي حر ومالي صدقة إن شاء الله تعالى فكذلك الإستثناء

فصل

وإن دل الدليل على أنه لا يجوز رجوعه إلى جملة من الجمل المذكورة في آية القذف فإن الدليل على أنه لا يجوز أن يرجع الإستثناء فيها إلى الحد رجع إلى ما بقي من الجمل

وكذا إن تعقب الإستثناء جملة واحدة ودل الدليل على أنه لا يجوز رجوعه إلى بعضها كقوله عز وجل - وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهو وقد فرضتم لهن فريضة - إلى قوله تعالى - إلا أن يعفون - فإنه قد دل الدليل على أن الإستثناء لا يجوز رجوعه إلى الصغار والمجانين رجع إلى ما بقي من الجملة لأن ترك الظاهر فيما قام عليه الدليل لا يوجب تركه فيما لم يقم عليه الدليل

Post a Comment

Post a Comment