الكلام في النسخ
باب بيان النسخ والبداء
والنسخ في اللغة يستعمل في الرفع والإزالة يقال نسخت الشمس الظل ونسخت الرياح الآثار إذا أزالتها، ويستعمل في النقل يقال نسخت الكتاب إذا نقلت ما فيه وإن لم تزل شيئا عن مواضعه
وأما في الشرع على الوجه الأول في اللغة وهو الإزالة فحده الخطاب الدال على ارتفاع الحكم الثابت بالخطاب المتقدم على وجه لولاه لكان ثابتا به مع تراخيه عنه ولا يلزم ما سقط عن الإنسان بالموت فإن ذلك ليس بنسخ لأنه ليس بخطاب ولا يلزم رفع ما كانوا عليه كشرب الخمر وغيره فإنه ليس بنسخ لأنه لم يثبت بخطاب ولا يلزم ما أسقطه بكلام متصل كالإستثناء والغاية كقوله تعالى - ثم أتموا الصيام إلى الليل - فإنه ليس بنسخ لأنه غير متراخ عنه
وقالت المعتزلة هو الخطاب الدال على أن مثل الحكم الثابت بالمنسوخ غير ثابت على وجه لولاه لكان ثابتا بالنص الأول وهذا فاسد لأنه إذا حد بهذا لم يكن الناسخ مزيلا لما ثبت بالخطاب الأول لأن مثل الحكم ما ثبت بالمنسوخ حتى يزيله بالناسخ وقد بينا أن النسخ في اللغة هو الإزالة والرفع
فصل
والنسخ جائز في الشرع، وقالت طائفة من اليهود لا يجوز وبه قال شرذمة من المسلمين وهذا خطأ لأن التكليف في قول بعض الناس إلى الله تعالى يفعل فيه ما يشاء وعلى قول بعضهم التكليف على سبيل المصلحة
فإن كان إلى مشيئته فيجوز أن يشاء في وقت تكليف فرض وفي وقت إسقاطه
وإن كان على وجه المصلحة فيجوز أن تكون المصلحة في وقت في أمر وفي وقت آخر في غيره فلا وجه للمنع منه
فصل
وأما البداء فهو أن يظهر له ما كان خفيا عليه من قولهم بدا لي الفجر إذا ظهر له وذلك لا يجوز في الشرع
وقال بعض الرافضة يجوز البداء على الله تعالى وقال منهم زرارة بن أعين في شعره
ولولا البدا سميته غير هائب # وذكر البدا نعت لمن يتقلب
ولولا البدا ما كان فيه تصرف # وكان كنار دهرها تتلهب
وكان كضوء مشرق بطبيعة # وبالله عن ذكر الطبائع يرغب
وزعم بعضهم أنه يجوز على الله تعالى البداء فيما لم يطع عليه عباده وهذا خطأ لأنهم إن أرادوا بالبداء ما بيناه من أنه يظهر له ما كان خفيا عنه فهذا كفر وتعالى الله عز وجل عن ذلك علوا كبيرا
وإن كانوا أرادوا به تبديل العبادات والفروض فهذا لا ننكره إلا أنه لا يسمى بداء لأن حقيقة البداء ما بينا ولم يكن لهذا القول وجه
فصل
فأما نسخ الفعل قبل دخول وقته فيجوز وليس ذلك ببداء . ومن أصحابنا من قال لا يجوز ذلك وهو قول المعتزلة وزعموا أن ذلك بداء
والدليل على جواز ذلك أن الله تعالى أمر إبراهيم عليه السلام بذبح ابنه ثم نسخه قبل وقت الفعل فدل على جوازه
والدليل على أنه ليس ببداء ما بيناه من أن البداء ظهور ما كان خفيا عنه وليس في النسخ قبل الوقت هذا المعنى



Post a Comment