Alluma - Qiyas Yang Dijadikan Hujjah
باب إثبات القياس وما جعل حجة فيه
وجملته أن القياس حجة في إثبات الأحكام العقلية وطريق من طرقها وذلك مثل حدوث العالم وإثبات الصانع وغير ذلك ومن الناس من أنكر ذلك
والدليل على فساد قوله أن إثبات هذه الأحكام لا يخلو إما أن يكون بالضرورة أو بالإستدلال والقياس لا يجوز أن يكون بالضرورة لأنه لو كان كذلك لم يختلف العقلاء فيها فثبت أن إثباتها بالقياس والإستدلال بالشاهد على الغائب
فصل
وكذلك هو حجة في الشرعيات وطريق لمعرفة الأحكام ودليل من أدلتها من جهة الشرع
وقال أبو بكر الدقاق هو طريق من طرقها يجب العمل به من جهة العقل والشرع
وذهب النظام والشيعة وبعض المعتزلة البغداديين إلى أنه ليس بطريق للأحكام الشرعية ولا يجوز ورود التعبد به من جهة العقل، وقال داود وأهل الظاهر يجوز أن يرد التعبد به من جهة العقل إلا أن الشرع ورد بحظره والمنع منه
والدليل على أنه لا يجب العمل به من جهة العقل أن تعليق تحريم التفاضل على الكيل أو الطعم في العقل ليس بأولى من تعليق التحليل عليهما ولهذا يجوز أن يرد الشرع بكل واحد من الحكمين بدلا عن الآخر وإذا استوى الأمران في التجويز بطل أن يكون العقل موجبا لذلك
وأما الدليل على جواز ورود التعبد به من جهة العقل هو أنه إذا جاز أن يحكم في الشيئ بحكم لعلة منصوص عليها جاز أن يحكم فيه بعلة غير منصوص عليها وينصب عليها دليلا يتوصل به إليها . ألا ترى أنه لما جاز أن يؤمر من عاين القبلة بالتوجه إليها جاز أيضا أن يؤمر من غاب عنها أن يتوصل بالدليل إليها
وأما الدليل على ورود الشرع به ووجوب العمل فإجماع الصحابة
وروي أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه كان إذا ورد عليه حكم نظر في كتاب الله عز وجل ثو في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن لم يجد جمع رؤساء الناس فاستشارهم فإذا اجتمع رأيهم على شيئ قضى به
وكتب عمر رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعري رحمه الله في الكتاب الذي اتفق الناس على صحته : الفهم الفهم فيما أدى إليك مما ليس في قرآن ولا سنة ثم قس الأمور عند ذلك
وقال لعثمان رضي الله عنه إني رأيت في الحد رأيا فاتبعوني فقال له عثمان إن نتبع رأيك فرأيك رشيد وإن نتبع رأي من قبلك فنعم ذا الرأي كان
وقال علي كرم الله وجهه كان رأيي ورأي أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه أن لا تباع أمهات الأولاد ورأيي الآن أن يبعن فقال له عبيدة السلماني رأي ذوي عدل أحب إلينا من رأيك وحدك، وفي بعض الروايات من رأي عدل واحد
فدل على جواز العمل بالقياس
فصل
ويثبت بالقياس جميع الأحكام الشرعية جملها وتفصيلها وحدودها وكفاراتها ومقدراتها
وقال أبو هاشم لا يثبت بالقياس إلا تفصيل ما ورد النص عليه وأما إثبات جمل لم يرد بها النص فلا يجوز بالقياس وذلك كميراث الأخ لا يجوز أن يبتدأ إيجابه بالقياس ولكن إذا ثبت بالنص ميراثه جاز إثبات إرثه مع الجد بالقياس
وقال أصحاب أبي حنيفة لا مدخل للقياس في إثبات الحدود والكفارات والمقدرات كالنصب في الزكوات والمواقيت في الصلوات وهو قول الجبائي، ومنهم من قال يجوز ذلك بالإستدلال دون القياس
والدليل على ما قلناه أن هذه الأحكام يجوز إثباتها بخبر الواحد فجاز إثباتها بالقياس كسائر الأحكام
فصل
فأما الأسماء واللغات فهل يجوز إثباتها بالقياس؟ فيه وجهان : أصحهما أنه يجوز وقد مضى في أول الكتاب
فصل
وأما ما طريقه العادة والخلقة كأقل الحيض وأكثره وأقل النفاس وأكثره وأقل الحمل وأكثره فلا مجال للقياس فيه لأن معناها لا يعقل بل طريق إثباتها خبر الصادق وكذلك ما طريقه الرواية والسماع كقران النبي صلى الله عليه وسلم وإفراده ودخوله إلى مكة صلحا أو عنوة فهذا كله لا مجال للقياس فيه