ويجب في حقه تعالى الإرادة ويراد فيها المشيئة وهي صفة موجودة قديمة قائمة بذاته تعالى يخصص بها الممكن ببعض ما يجوز عليه إما بالوجود أو بالعدم أو بالصفات كالبياض أو السواد أو بالغنى أو بالفقر أو بالعلم أو بالجهل إلى غير ذلك كالمقادير كالطول أو القصر وكالأزمنة ككونه في زمن إبراهيم أو في زمن عيسى عليهما السلام والأمكنة ككونه في مكة أو في الطائف والجهات ككونه في جهة المشرق أو في جهة المغرب
وضدها أي الإرادة الكراهة بمعنى عدم الإرادة
واعلم أن الإرادة عند أهل السنة غير الأمر والرضا والعلم
فقد يريد ويأمر ويرضى كإيمان من علم الله إيمانه مثل أبي بكر رضي الله عنه وهذا يقال له واجب لغيره لأنه حيث تعلق علم الله وإرادته بوجوده في وقته وجب وجوده فيه ويستحيل عدمه في ذلك الوقت
ويقال له مستحيل لغيره وقد لا يريد ولا يأمر ولا يرضى كالكفر ممن ذكر بل هو مستحيل كما مر
وقد يريد ولا يأمر ولا يرضى كالكفر ممن علم الله عدم إيمانهم مثل فرعون وهامان وقارون وكالمعاصي الواقعة في الكون
فإن الجميع واقع بإرادته تعالى وقد يأمر ولا يريد كإيمان من علم الله أنه لا يؤمن كالإيمان ممن ذكر وإنما أمرهم به مع كونه لم يرده منهم لحكمة يعلمها الله تعالى لا يسئل عما يفعل
فالأقسام أربعة والرضا لازم للأمر وتتعلق الإرادة بكل ممكن كالقدرة لكن تعلق القدرة تعلق إيجاد وإعدام وتعلق الإرادة تعلق تخصيص فلا تتعلق بالواجب ولا بالمستحيل
وشمل الممكن الخير والشر فلا يقع في الكون شيئ من خير أو شر إلا بإرادته تعالى إذ لا يصح أن يقع في الكون شيئ قهرا عنه تعالى خلافا للمعتزلة القائلين بأن إرادته تعالى لا تتعلق بالشرور والقبائح
ولكن يجب علينا الأدب مع الله تعالى بأن لا ننسب الشرور والقبائح إليه تعالى إلا في مقام التعليم فإن ذلك لا يجوز كنسبة خلق الأمور الخسيسة إليه تعالى فلا يجوز أن يقال في غير مقام التعليم خالق القردة والخنزير
والدليل على ذلك أي ثبوت الإرادة له تعالى وجود العالم
وتركيبه أنه تعالى لو لم يتصف بالإرادة لكان كارها ولو كان كارها أي عادم الإرادة لم يتصف بالقدرة لكن عدم اتصافه بها محال إذ لو لم يتصف بها لكان عاجزا وكونه عاجزا محال إذ لو عجز لما أوجد شيأ من الحوادث وذلك باطل لمشاهدة وجودها فبطل ما أدي إليه عدم الإيجاد وهو عجزه وإذا انتفى العجز انتفت الكراهة وثبت نقيضها وهو الإرادة وحيث وجبت له تعالى الإرادة استحال عليه ضدها



Post a Comment