ويجب في حقه تعالى الوحدانية في الذات وفي الصفات وفي الأفعال
ومعنى الوحدانية في الذات أنها ليست مركبة من أجزاء متعددة ويقال لذلك كم متصل في الذات وأنه ليس هناك ذات تشبه ذاته تعالى ويقال كم منفصل في الذات لكن الوحدة في الذات بمعنى عدم التركيب من أجزاء علمت من المخالفة للحوادث كما مر
ومعنى الوحدانية في الصفات هو عدم تعددها فليس له تعالى صفتان في الإسم والمعنى وبيان ذلك أنه تعالى ليس له صفتان فأكثر من جنس واحد كقدرتين فأكثر وعلمين فأكثر وهكذا ويقال له كم متصل في الصفات وعدم النظير فيها وهو أنه ليس لغيره صفة تشابه صفته تعالى فليس لغيره تعالى قدرة كقدرته تعالى أو علم كعلمه وهكذا ويقال له كم منفصل في الصفات
ومعنى الوحدانية في الأفعال أنه ليس لغيره فعل من الأفعال ويقال له كم منفصل في الأفعال
وأما الكم المتصل في الأفعال فإن صورناه بتعدد الأفعال فهو ثابت لا يصح نفيه لأن أفعاله تعالى كثيرة من خلق ورزق وإحياء وإماتة إلى غير ذلك
وإن صورناه بمشاركة غير الله له فهو منفي أيضا بوحدانية الأفعال فهو تعالى منفرد بالخلق والإختراع متوحد بالإيجاد والإبداع خلق الخلق وأعمالهم وقدر أرزاقهم وآجالهم
والحاصل أن الوحدانية الشاملة لوحدة الذات ووحدة الصفات ووحدة الأفعال تنفي كموما خمسة
الكم المتصل في الذات وهو تركيبه من أجزاء والكم المنفصل في الذات وهو التعدد بحيث يكون هناك إله ثان فأكثر فهذان الكمان منفيان بوحدة الذات
والكم المتصل في الصفات وهو التعدد في صفاته تعالى من جنس واحد كقدرتين فأكثر والكم المنفصل فيها وهو أن يكون لغيره تعالى صفة تشبه صفته تعالى كأن يكون لزيد قدرة يوجد بها ويعدم بها كقدرته تعالى أو إرادة تخصص الشيئ ببعض الممكنات أو علم محيط بجميع الأشياء وهذان الكمان منفيان بوحدة الصفات
والكم المنفصل في الأفعال وهو أن يكون لغيره تعالى فعل من الأفعال على وجه الإيجاد وإنما ينسب الفعل لذلك الغير على وجه الكسب والإختيار وهذا الكم منفي بوحدانية الأفعال
وضدها أي الوحدانية التعدد ودليل الوحدانية في الذات بمعنى عدم الكم المتصل فيها هو دليل المخالفة للحوادث المتقدم ودليل الوحدانية في الصفات بمعنى عدم الكم المتصل فيها أن التعدد لا يقتضيه معقول ولا منقول
والدليل على ذلك أي الوحدانية بمعنى عدم النظير في الذات والصفات أنه تعالى لو كان متعددا كأن يكون هناك إلهان لم يوجد شيئ أي بعض من هذه المخلوقات لكن عدم وجود ذلك باطل لأنه موجود بالمشاهدة فما أدي إليه وهو التعدد باطل وإذا بطل التعدد ثبتت الوحدانية وهو المطلوب
وإنما لزم من التعدد عدم وجود شيئ من العالم لأنه لو كان هناك إلهان فإما أن يتفقا وإما أن يختلفا فإن اتفقا فلا جائز أن يوجداه معا لئلا يلزم اجتماع مؤثرين على أثر واحد ولا جائز أن يوجداه مرتبا بأن يوجده أحدهما ثم يوجده الآخر لئلا يلزم تحصيل الحاصل ولا جائز أن يشتركا في الإيجاد بأن يوجد أحدهما البعض والآخر البعض الآخر للزوم عجزهما حينئذ لأنه لما تعلقت قدرة أحدهما بالبعض سد على الآخر طريق تعلق قدرته به فلا يقدر على مخالفته وهذا عجز وهذا يسمى برهان التوارد لما فيه من تواردهما على شيئ واحد
وإن اختلفا بأن يريد أحدهما إيجاد شيئ من العالم والآخر إعدامه فلا جائز أن ينفذ مراد أحدهما دون الآخر للزوم عجز من لم ينفذ مراده والآخر مثله لانعقاد المماثلة بينهما وهذا يسمى برهان التمانع لتمانعهما وتخالفهما
وأما دليل الوحدانية في الأفعال بمعنى عدم الكم المتصل فيها وهو عدم مشاركة الغير له تعالى في فعل فهو بعض ما مر في برهان التوارد
وأما دليل وحدة الأفعال بمعنى عدم الكم المنفصل فيها بأن يكون لغيره تعالى تأثير في فعل من الأفعال على انفراده فإن قدرت الشيئ مؤثرا بطبعه لزم أن يستغني ذلك الأثر عن مولانا جل وعز كيف وهو الذي يفتقر إليه كل ما سواه
وإن قدرته مؤثرا بقوة جعلها الله فيه كما يزعمه كثير من عوام المؤمنين فإنهم يعتقدون أن الأسباب العادية مؤثرة بقوة جعلها الله فيها ولو نزعها منها لا تؤثر كزعمهم أن الأكل يؤثر في وجود الشبع وأن الشرب يؤثر في وجود الري وأن النار تؤثر في وجود الإحراق وأن السكين تؤثر في وجود القطع بقوة جعلها الله في جميعها فذلك باطل أيضا لأنه يصير مولانا جل وعز حينئذ مفتقرا في إيجاده بعض الأفعال إلى واسطة والحال أنه تعالى له الغني المطلق عن كل ما سواه
وصاحب هذا الإعتقاد ليس كافرا بل فاسق ويقرب من هذا اعتقاد المعتزلة أن العبد يخلق أفعال نفسه الإختيارية بقوة جعلها الله فيه فهؤلاء فسقة
والحاصل أن من اعتقد أن الأسباب العادية كالنار والسكين والأكل والشرب تؤثر في مسبباتها كالحرق والقطع والشبع والري بذاتها فهو كافر بالإجماع أو بقوة جعلها الله فيها ففي كفره قولان والأصح أنه ليس بكافر بل فاسق مبتدع
ومثل القائلين بذلك المعتزلة القائلون بأن العبد يخلق أفعال نفسه الإختيارية بقوة خلقها الله فيه فالأصح عدم كفرهم لأقرارهم بأن قدرة العبد على ذلك من الله تعالى
ومن اعتقد أن المؤثر هو الله تعالى لكن جعل بين الأسباب ومسبباتها تلازما عقليا بحيث لا يصح تأخرها فمتى وجد السبب وجد المسبب فهو جاهل
ومن اعتقد أن المؤثر هو الله وإن بين الأسباب ومسبباتها تلازما عاديا بحيث يصح تأخرها فهو المؤمن الناجي إن شاء الله تعالى
فالأقسام أربعة وحيث وجبت له تعالى الوحدانية استحال عليه ضدها وهو التعدد سواء كان مع الإتصال أو الإنفصال
واعلم أن بحث الوحدانية أشرف مباحث هذا الفن ولذلك كثر التنبيه عليه في القرآن العظيم
وهذه الصفات الست فالأولى منها وهي الوجود تسمى نفسية لأنها لا تدل على معنى زائد على نفس الذات والخمسة بعدها تسمى سلبية لأنها دلت على سلب ما لا يليق به تعالى
والصفات السلبية لا تنحصر على الصحيح لأن النقائص لا نهاية لها وكلها منفية عنه تعالى وهذه الخمسة أصولها فإن ما عداها من نفي الزوجة والولد والمعين وغير ذلك راجع إليها



Post a Comment