باب في الحقيقة والمجاز
والكلام المفيد ينقسم إلى حقيقة ومجاز وقد وردت اللغة بالجميع ونزل به القرآن ومن الناس من أنكر المجاز في اللغة
وقال ابن داود ليس في القرآن مجاز وهذا خطأ لقوله تعالى - جدارا يريد أن ينقض - ونحن نعلم ضرورة أنه لا إرادة للجدار. وقال تعالى - واسئل القرية - ونحن نعلم ضرورة أن القرية لا تخاطب فدل على أنه مجاز
فأما الحقيقة فهي الأصل وحدها كل لفظ يستعمل فيما وضع له من غير نقل وقيل ما ستعمل فيما اصطلح على التخاطب به
وقد يكون للحقيقة مجاز كالبحر حقيقة للماء المجتمع الكثير ومجاز في الفرس الجواد والرجل العالم فإذا ورد اللفظ حمل على الحقيقة بإطلاقه ولا يحمل على المجاز إلا بدليل
وقد لا يكون له مجاز وهو أكثر اللغات فيحمل على ما وضع له
وأما المجاز فحده ما نقل عما وضع له وقل التخاطب به وقد يكون ذلك بزيادة ونقصان وتقديم وتأخير واستعارة
فالزيادة كقوله عز وجل - ليس كمثله شيئ - والمعنى ليس مثله شيئ والكاف زائدة
والنقصان كقوله تعالى - واسئل القرية - والمراد أهل القرية فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه
والتقديم والتأخير كقوله عز وجل - والذي أخرج المرعى فجعله غثاء أحوى - والمراد أخرج المرعى أحوى فجعله غثاء فقدم وأخر
والإستعارة كقوله تعالى - جدارا يريد أن ينقض - فاستعار فيه لفظ الإرادة
وما من مجاز إلا وله حقيقة لأنا قد بينا أن المجاز ما نقل عما وضع له وما وضع له هو الحقيقة
فصل
ويعرف المجاز من الحقيقة بوجوه
منها أن يصرحوا بأنه مجاز وقد بين أهل اللغة ذلك وصنف أبو عبيدة كتاب المجاز في القرآن وبين جميع ما فيه من المجاز
ومنها إن يستعمل اللفظ فيما لا يسبق إلى الفهم عند سماعه كقولهم في البليد حمار والأبله تيس
ومنها أن يوصف الشيئ ويسمى بما يستحيل وجوده كقوله - واسئل القرية
ومنها أن لا يجري ولا يطرد كقولهم في الرجل الثقيل جبل، ثم لا يقال ذلك في غيره، وفي الطويل نخلة ثم لا يقال ذلك في غير الآدمي
ومنها أن لا يتصرف فيما استعمل فيه كتصرفه فيما وضع له حقيقة كالأمر في معنى الفعل لا تقول فيه أمر يأمر كما تقول في الأمر بمعنى القول



Post a Comment