باب من يدخل في الأمر ومن لا يدخل فيه
اعلم أن الساهي لا يجوز أن يدخل في الأمر والنهي لأن القصد إلى التقرب بالفعل والترك يتضمن العلم به حتى يصح القصد إليه وهذا يستحيل في حق الناسي. ألا ترى أنه لو قيل له لا تتكلم في صلاتك وأنت ساه لوجب أن يقصد إلى ترك ما يعلم أنه ساه فيه وعلمه بأنه ساه يمنع كونه ساهيا فبطل خطابه على هذه الصفة
فصل
وكذلك لا يجوز خطاب النائم ولا المجنون ولا السكران لأنه جاز خطابهم مع زوال العقل لجاز خطاب البهيمة والطفل في المهد وهذا لا يقوله أحد
فصل
وأما المكره فيصح دخوله في الخطاب والتكليف. وقالت المعتزلة لا يصح دخوله تحت التكليف وهذا خطأ لأنه لو لم يصح تكليفه لما كلف ترك القتل مع الإكراه ولأنه عالم قاصد إلى ما يفلعه فهو كغير المكره
فصل
وأما الصبي فلا يدخل في خطاب التكليف فإن الشرع قد ورد بإسقاط التكليف عنه وأما إيجاب الحقوق في ماله فيجوز أن يدخل فيه كالزكوات والنفقات فإن التكليف والخطاب في ذلك على وليه دونه
فصل
وأما العبيد فإنهم يدخلون في الخطاب. ومن أصحابنا من قال لا يدخلون في خطاب الشرع إلا بدليل وهذا خطأ لأن الخطاب يصلح لهم كما يصلح للأحرار
فصل
وأما الكفار فإنهم يدخلون أيضا في الخطاب. ومن أصحابنا من قال لا يدخلون في الشرعيات. ومن الناس من قال يدخلون في المنهيات دون المأمورات
والدليل على الجميع قوله عز وجل - ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين - ولو لم يكونوا مخاطبين بالصلاة لما عاقبهم عليها ولأن صلاح الخطاب لهم كصلاحه للمسلمين فكما دخل المسلمون وجب أن يدخل الكفار
فصل
وأما النساء فإنهن لا يدخلن في خطاب الرجال. وقال أبو بكر بن داود وأصحاب أبي حنيفة يدخلن وهذا خطأ لأن للنساء لفظا مخصوصا كما أن للرجال لفظا مخصوصا فكما لم تدخل الرجال في خطاب النساء لم تدخل النساء في خطاب الرجال
فصل
وأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه يدخل في كل خطاب خوطب به الأمة كقوله تعالى - ياأيها الناس وياأيها الذين آمنوا - وغير ذلك لأن صلاح اللفظ له كصلاحه لكل أحد من الأمة فكما دخلت الأمة دخل النبي صلى الله عليه وسلم
وأما إذا خوطب النبي صلى الله عليه وسلم بخطاب خاص لم يدخل معه غيره إلا بدليل كقوله تعالى - ياأيها النبي وياأيها المزمل قم الليل - وقوله - ياأيها النبي قل لأزواجك
ومن الناس من قال ما ثبت أنه شرع له دخل غيره معه فيه وهذا خطأ لأن الخطاب مقصور عليه فمن زعم أن غيره يدخل فيه فقد خالف مقتضى الخطاب
فصل
فأما إذا أمر صلى الله عليه وسلم أمته بشيئ لم يدخل هو فيه. ومن أصحابنا من قال يدخل فيما يأمر به الأمة وهذا خطأ لأن ما خاطب به الأمة من الخطاب لا يصح له فلا يجوز أن يدخل فيه من غير دليل
فصل
وأما ما خاطب الله عز وجل به الخلق خطاب المواجهة كقوله تعالى - ياأيها الناس وياأيها الذين آمنوا - فإنه لا يدخل فيه سائر من لم يخلق من جهة الصيغة واللفظ لأن هذا الخطاب لا يصلح إلا لمن هو موجود على الصفة متى ذكرها
فأما من لم يخلق فلا يصلح له هذا الخطاب وكذلك إذا خاطب رسول الله صلى الله عليه وسلم بخطاب لم يدخل غيره فيه من جهة اللفظ لأن الذي خاطبه به لا يتناول غيره وإنما يدخل الغير في حكم ذلك الخطاب بدليل وهو قوله صلى الله عليه وسلم ( حكمي على الواحد حكمي على الجماعة ) والقياس وهو أن يوجد المعنى الذي حكم به فيمن حكم عليه في غيره فيقاس عليه
فصل
إذا ورد الخطاب بلفظ العموم دخل فيه كل من صلح له الخطاب ولا يسقط ذلك الفعل عن بعضهم بفعل البعض إلا فيما ورد الشرع به وقرره أنه فرض كفاية كالجهاد وتكفين الميت والصلاة عليه ودفنه فإنه إذا قام به من يقع به الكفاية سقط عن الباقين



Post a Comment