ويجب في حقه تعالى الكلام وهو صفة قديمة قائمة بذاته تعالى ليست بحرف ولا صوت وهي منزهة عن التقدم والتأخر وعن الإعراب والبناء وعن السكوت النفسي بأن لا يسر في نفسه تعالى الكلام مع القدرة عليه ومنزهة عن الآفة الباطنية بأن لا يقدر على ذلك كما في حال الخرس والطفولية وعن جميع صفات كلام الحوادث وهو صفة واحدة لا تعدد فيها لكن له اقسام اعتبارية
فمن حيث تعلقه بطلب فعل الصلاة مثلا أمر ومن حيث تعلقه بطلب ترك الزنا مثلا نهي ومن حيث تعلقه بأن فرعون فعل كذا أو فعل كذا مثلا خبر ومن حيث تعلقه بأن الطائع له الجنة وعد ومن حيث تعلقه بأن العاصي يدخل النار وعيد إلى غير ذلك
ويتعلق بجميع الواجبات والجائزات والمستحيلات كالعلم لكن تعلق العلم تعلق انكشاف وتعلق الكلام تعلق دلالة وتعلقه بالنسبة لغير الأمر والنهي تنجيزي قديم وأما بالنسبة لهما فإن لم يشترط فيهما وجود المأمور والمنهي فكذلك وإن اشترط فيهما ذلك كان التعلق فيهما صلوحيا قديما قبل وجود المأمور والمنهي وتنجيزيا حادثا بعد وجودهما فهو تعالى متكلم آمر ناه وواعد متوعد بكلام أزلي قديم قائم بذاته لا يشبهه كلام الخلق فليس بصوت يحدث من انسلال هواء أو اصطكاك أجسام ولا بحرف ينقطع بانطباق شفة أو تحرك لسان وموسى عليه السلام سمع كلام الله بغير حرف ولا صوت كما يرى الأبرار ذات الله تعالى في الآخرة من غير جوهر ولا عرض
وضدها أي صفة الكلام البكم وهو الخرس
والمراد بالبكم عدم الكلام النفسي سواء كان بآفة أم لا فدخل فيه السكوت والمراد بالخرس آفة تمنع من الكلام النفسي
ومثاله في الشاهد أن يمنع الله عن الإنسان التفكر فلا يجري على قلبه كلام نفسي
واعلم أن كلام الله تعالى يطلق على الكلام القديم القائم بذاته تعالى وعلى الكلام اللفظي المقروء بمعنى أنه تعالى خلقه وليس لأحد في أصل تركيبه كسب
فمن أنكر أن ما بين دفتي المصحف كلام الله فقد كفر إلا أن يريد أنه ليس هو الصفة القائمة بذاته تعالى ومع كون الألفاظ التي نقرؤها حادثة
لا يجوز أن يقال القرآن حادث إلا في مقام التعليم لأن القرآن يطلق على الصفة القائمة بذاته تعالى أيضا لكن مجازا فربما يتوهم من إطلاق أن القرآن حادث إن الصفة القائمة بذاته تعالى حادثة
والتحقيق أن مدلول الألفاظ التي نقرؤها بعض مدلول الصفة القديمة لأن الصفة تدل على جميع الواجبات والجائزات والمستحيلات والألفاظ التي تقرؤها تدل على بعض ذلك
والدليل على ذلك أي ثبوت الكلام له تعالى سمعي وهو قوله وكلم الله موسى تكليما أي أزال الله عنه الحجاب وأسمعه الكلام القديم ثم أعاد عليه الحجاب وليس المراد أنه تعالى ابتدأ كلاما ثم سكت لأنه لم يزل متكلما دائما وأبدا
وروي أن موسى عليه السلام كان يسد أذنيه عند قدومه من المناجاة لئلا يسمع كلام الخلق لكونه لا يستطيع سماعه لأنه صار عنده كاشد ما يكون من أصوات البهائم المنكرة بسبب ما ذاق من اللذات التي لا يحاط بها عند سماع كلام من ليس كمثله شيئ وقد أشرف وجهه من النور فما رآه أحد الأعمى فتبرقع وبقي البرقع على وجهه إلى أن مات
وقد أجمع أهل الأديان والملل على أنه تعالى متكلم وأيضا كل حي قابل للإتصاف بالكلام والقابل للشيئ لا يخلو عنه أو عن ضده فلو لم يتصف سبحانه وتعالى بالكلام لاتصف بضده لكن اتصافه به محال لأنه نقص والنقص عليه تعالى محال
وهذه الصفة السبعة وهي القدرة والإرادة والعلم والحياة والسمع والبصر والكلام تسمى صفات المعاني وهي وجودية بحيث لو كشف الحجاب لرؤيت أو سمعت وهذه السبعة تلازم السبعة التي تسمى معنوية وهي أمور اعتبارية



Post a Comment