ويجب أن يعلم أنه صلى الله عليه وسلم يشفع في فصل القضاء أي في القضاء الفاصل بين الناس
روي أنه إذا جمع الله الناس في صعيد واحد يوم القيامة أقبلت النار يركب بعضها بعضا وخزنتها يكفونها عن الناس وهي تقول وعزة ربي ليخلين بيني وبين أزواجي فيقولون لها ومن أزواجك فتقول كل متكبر جبار فلا يزال الناس يموج بعضهم في بعض ألف عام والله تعالى لا يكلمهم كلمة واحدة فيشتد الهول على أهل الموقف حتى يتمنوا الإنصراف من هذا الموقف ولو إلى جهنم
فيقول بعضهم لبعض اذهبوا إلى أبيكم آدم فيأتون آدم فيقولون يا أبا البشر الأمر علينا شديد وأنت الذي خلقك الله بيده وأسجد لك ملائكته ونفخ فيك من روحه اشفع لنا في فصل القضاء اشفع لنا إلى ربك ليقضى بيننا فيقول لست هناك إني قد أخرجت من الجنة بخطيئة وإنه ليس يهمني اليوم إلا نفسي ولكن عليكم بنوح فإنه أول المرسلين
فيأتون نوحا ويقولون له اشفع لنا إلى ربك ليقضى بيننا فيقول لست هناك إني دعوت أغرقت أهل الأرض وإنه ليس يهمني اليوم إلا نفسي ولكن ائتوا إبراهيم الذي اتخذ ه الله خليلا
فيأتون إبراهيم فيقولون اشفع لنا إلى ربك ليقضى بيننا فيقول لست هناك إني قد كذبت في الإسلام ثلاث كذبات وهي قوله إني سقيم وقوله بل فعله كبيرهم هذا وقوله لامرأته أنها أختي وليس يهمني اليوم إلا نفسي ولكن ائتوا موسى الذي كلمه الله تكليما
فيأتون موسى فيقول لست هناك إني قتلت نفسا بغير حق ليس يهمني اليوم إلا نفسي ولكن ائتوا عيسى روح الله وكلمته
فيأتونه فيقول إني اتخذت وأمي إلهين من دون الله وإني لا يهمني اليوم إلا نفسي ولكن أرأيتم إن كان لأحدكم بضاعة فجعلها في كيس ثم ختم عليها أكان يصل إلى ما في الكيس حتى يفض الختم فيقولون لا فيقول أن محمدا صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء وقد وافى اليوم وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ائتوه
فيأتونه فيقول أنا لها أمتي أمتي ثم يخر ساجدا تحت العرش كسجود الصلاة فيقال يا محمد ارفع رأسك وسل تعط واشفع تشفع فيرفع رأسه ويشفع في فصل القضاء
ثم إن أهل الموقف ينصرفون من هذا الموقف إلى الحساب ولا ينال شيئ من هذا الهول الأنبياء والأولياء ولا سائر العلماء
لقوله تعالى لا يحزنهم الفزع الأكبر فهم آمنون من عذاب الله لكنهم يخافون خوف إجلال وإعظام
وقيل إن الذي يذهب إلى الأنبياء لطلب الشفاعة رؤساء أهل الموقف وما بين إتيانهم من نبي إلى نبي ألف عام
وقيل الذي يسعى الأنبياء في طلب الشفاعة العلماء العاملون
وهذه الشفاعة تعم جميع الخلق من إنس وجن ومؤمن وكافر من هذه الأمة ومن غيرها ولذلك تسمى الشفاعة العظمى وهي أول المقام المحمود أي الذي يحمده فيه الأولون والآخرون وآخره استقرار أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار وتجمع الأنبياء حينئذ تحت لوائه صلى الله عليه وسلم
وهذه الشفاعة مختصة به صلى الله عليه وسلم وله شفاعات أخر بل ولغيره من الأنبياء والعلماء والصالحين إلا أنه صلى الله عليه وسلم هو الذي يفتح لهم باب الشفاعة لأنهم لا يتجاسرون على الشفاعة قبله لعظم الجلال يومئذ



Post a Comment